باحث: نظرية التطور موجودة في الإسلام، وداروين كان صادقا
كثيرا ما كانت مهنة الطب مرادفا للإبداع الأدبي والأكاديمي، فكثير من
الأطباء والطبيبات زاوجوا بين تطبيب الناس والكتابة إليهم، كأنهم يداوونهم
بالعلاج تارة، وبسحر الكلمات تارة أخرى، فلم يكن عجيبا أن تنتج المهنة
البيضاء –نسبة إلى ستراتهم- نوال السعداوي، علاء الأسواني، مليكة مقدم، سعد
الدين العثماني، وآخرين..
في هذا الإطار، نستضيف واحدا من هؤلاء الجالسين على كرسيَيْ التطبيب
والكتابة، عماد محمد بابكر، دكتور في الأمراض العقلية والنفسية، يحمل
الجنسية البريطانية، لكنه وفي لأصوله السودانية، اهتم بفلسفة مقارنة
الأديان، واشتغل في وقته الثاني بالدعوة إلى الدين الإسلامي، أصدر العديد
من الكتب الإنجليزية، غير أن أهم كتاباته يبقى كتاب:" آذان الأنعام" الذي
يتفق فيه مع نظرية التطور الشهيرة التي أتى بها داروين، بل ويقول إن
الإسلام قدّم هذه النظرية في القرآن الكريم، وبالتالي فهي نظرية إسلامية
قبل أن يثبتها بعض علماء الغرب.
هسبريس تحاور هذا الرجل، الذي قدم بالحجة والبرهان، نظرية لا يؤمن بها
بشكل عام سوى الملحدين كما يُشاع، في قالب إسلامي، مما قد يجيب على الكثير
من الأسئلة التي كثيرا ما رُمي أصحابها بالزندقة غصبا عنهم..
ألفت مؤخرا كتابا تحت عنوان "آذان الأنعام" أثار ضجة كبيرة، لأنه يتحدث عن
فكرة التطور التاريخي التي قدمها شارل داروين في القرن ال19، ماذا يحاول
كتابك أن يثبت؟
الكتاب يثبت من القرآن والكتب السماوية أن كل الأحياء من نبات وحيوان
بما فيه الإنسان قد نبتت من الارض نباتا من "نفس واحدة" ثم تفرعت لما هي
عليه الآن في سلم التطور- ما عدا الأنعام التي تشمل الضأن والماعز والإبل
والبقر، فهي منزلة ولم تخلق في الأرض.
هل تقول نظرية كتابك إن أصل الإنسان قرد كما قال بذلك داروين؟
داروين لم يقل ذلك أصلا، هذه اتهامات مقرضة من رجال الدين المسيحي الذين
كرهوه ونقلها عنهم المسلمون بكل جهل، الصحيح هو القول إن كل الأحياء لها
أصل مشترك واحد، وفي مسار التطور والارتقاء البطيء، يتفرع كل فصيل متشابه
من الأحياء من أصل مشترك جديد، كالشجرة كل ما نمت يخرج منها فرع حديد ثم ما
يلبث أن تخرج منه فروع جديدة وهكذا، فالبشر والقردة انحدروا من سلف مشترك
واحد لكن لم يتطور أحدهما للآخر.
إذن كيف تفسر نظرية "آذان الأنعام "خلق آدم من طين وكونه أب البشر؟
الطين والتراب والماء هو أصل كل هذه الحياة، والقرآن لم يصف خلق آدم
كرجل مفرد من كتلة طين كما نتوهم، وإنما كان هذا هو الفهم التوراتي الذي
تأثرت به الثقافة الإسلامية، آدم المذكور في القرآن من الأصل العربي "أدم"
وتعني الملائمة والتغيير، ويشير اللفظ في قصة التطور إلى مجموعة من البشر
أصبحت "آدما" أي ملائمة للتغيير فمنحها الله العقل.
لكن هناك آية قرآنية يقول فيها الخالق: "فـسواه ونفخ فيه من روحه"؟
أولا هذه الآيات لا تتحدث عن آدم وإنما عن الإنسان على عمومه، أما
الروح المعنية فيه ليست روح الحياة وإنما تعني من فضله وسعته، والتعبير هنا
يشير إلي مرحلة برمجة العقل وليس بداية الحياة كما ورد في الآيات 7-9 في
سورة السجدة، إذ أن الآيات تفصح بما لا يدع مجالا للشك أن تلك النفخة
الربانية تمت في إنسان حي كان يتكاثر زمنا قبل أن ينفخ الله فيه "من روحه"
وهي هبة العقل، يعني ذلك أن الإنسان تواجد قبل ظهور ما يعرف آدم بزمن طويل.
إذا ما تجاوزنا مسألة خلق آدم، فما موقع خلق حواء في نظرية آذان الأنعام؟
اسم حواء لم يرد في القرآن وإنما هو وَهْم توهمه اليهود ثم أصبح تفسيرا
متداولا للآيات التي تخاطب آدم وزوجه. حسب نظرية آذان الأنعام فإن الإنسان
بشقية الذكر والأنثى خُلق من أصل واحد وتطور ذكورا وإناثا إلى أن أصبح
فصيلا من البشر، لقد نفخ الله فيه من روحه في مجموعة منهم - ذكورا وإناثا -
ليصبحوا آباء البشر العاقل.
كيف تشرح إذن الخطاب القرآني: آدم وزوجه ؟
هذا موضوع يحتاج للكثير من التفصيل، المجموعة التي طورها الله للإنسان
العاقل كانت 16 ذكر و16 أنثى، وقد تدرج الخطاب القرآني في وصف البشر
والإنسان ليشمل الذكر والأنثى، لكن بعد العقل بدأ الخطاب يشير الي مجموعتين
من الذكور والإناث لذلك فإن "آدم وزوجه" لا تعني رجل وزوجته وإنما مجموعتي
الذكور والإناث.
وكيف حسبت عددهم؟
هذا الإفتراض وصلنا إليه بعد أن اكتشفنا أن الأنعام لعبت دورا هاما في
حياة الإنسان العاقل الأول وأن الله جعلها مفتاحا لعملية الخلق والتطور،
وقد خلصنا بتفاصيل دقيقة إلى أن الله تعالى جعل للأنعام دورا أساسيا في
عملية التوبة عن صغائر الذنوب أثناء الحج، وبمقارنة القيمة الرقمية التي
منحها الله لكل فصيل من الانعام في الحج استطعنا ان نوجد معادلة رياضية
بسيطة تدلنا على عدد المجوعة العاقلة الاولى التي طورها الله لانسان عاقل
لكن لا يمكن شرح هذه التفاصيل في لقاء صحفي.
في كتابك، أنت تصور الحج كأنه تقليد لأحداث حياة
الإنسان الأول، لكن المعلوم أن الحج بدأ منذ عصر النبي إبراهيم الذي بنى
البيت،
كيف توفقون بين القصتين؟؟
إبراهيم عليه السلام رفع القواعد من البيت الذي اندثر، لكنه لم يكن أول
من بناه، وعودة إبراهيم لمكان البيت كانت بتخطيط من الله تعالى ليعيد
الإنسانية لبيت آبائهم الأولين، ويكون الحج في مستقبل الأيام حجة الله
الكبري على كل الناس، هناك تداخل كبير بين قصة الإنسان الأول الذي نبت
وتطور عند البيت الحرام وقصة عودة إبراهيم ثم عبادة الحج لكن التفاصيل لا
يمكن سردها هنا.
داخل كتابك، تقول أنك توصلت أيضا لتفسير جديد لقصة نوح الأسطورية، هل يمكنك تبسيط تفسيرك؟
نعم قصة نوح أصبحت من الأساطير التي لا يقبلها العقل رغم انها مشتركة
بين اليهود والنصارى والمسلمين. ما خلصنا إليه هو أن نوح مثّل مرحلة فاصلة
في تاريخ تطور البشر، لذلك اختار الله معه فقط العناصر البشرية المؤهلة من
حيث التكوين الجيني للاستمرار وأزال بقية البشر - وهذا تطبيق عملي لمفهوم
الانتخاب الطبيعي في بحوث داروين، لكن الأهم هو أن نوح لم يحمل معه إلا
ثمانية أفراد من الأنعام - من كلِّ ذكر وأنثى ولم تكن سفينته زريبة لكل
دواب الارض كما صورها اليهود وورثناها منهم.
إسم الكتاب غريب ولا يخطر على الكثيرين أنه آية قرآنية، ماذا وجدتم في هذه الآية ما يرتبط بقصة الخلق والتطور كما تطرحونها؟
الآية 119 من سورة النساء تصف أن إبليس توعد أن يجعل من آذان الأنعام
هدفه الأول في إضلال الإنسان. لكن لأن اللفظ سرعان ما اختلط على أهل
البادية أنه يعني أذنيها فقد تم تفسير الآيات تفسيرا بسيطا وهو أن نزع أذني
البهائم من أعمال الشيطان، إذ كان العرب يميزون قطعانهم بتقطيع جزء من
أذنيها، فانتهوا عن تلك العادة وبقي هذا هو التفسير المتوارث.
لكن ما وصلنا إليه هو أن نزول الأنعام حسب ما ورد في الآية 6 من سورة
الزمر كان وما زال أكبر "آية كونية" أو معجزة تنادي بوجود الله ووحدانيته،
لذلك فقد كانت بمثابة "الآذان" الذي يلفت الإنتباه لوجود الله حينما نزلت
للإنسان الأول، ثم أن الله جعلها آية خفية لا يعلم سرها الناس إلا حينما
يتطور فهم الإنسان للكون والحياة ويصل إلى أن كل الأحياء نبتت من الأرض
نباتا، وحينها فقط تطل آية الأنعام من جديد، كالإستثناء الذي يثبت القاعدة،
لتنادي في الناس كل الناس أن للكون والحياة خالق وأنه هو الذي خلق كل
الأحياء من أصل واحد وانه هو الذي أنزل الأنعام، وإن شاء الله نظرية آذان
الأنعام الآن ترفع صوت هذه الآية الٌقرآنية عاليا آذانا يصدح في أرجاء
الكون قبل ان يكتشف العلم الحديث هذه الحقيقة الكونية التي ستكون اكبر حدث
علمي مذهل حينما يثبتها العلم.
سيكون الجمهور المغربي على موعد مع كتابك في معرض الدار البيضاء القادم للكتاب؟
نعم، وأنا فخور جدا بزيارتي للمغرب، وأتمنى أن يؤدي كتابي إلى حوار
علمي فكري واسع بين المسلمين لأن النظرية إن ثبتت فستكون حدث كوني وليس
عالمي فحسب.
جريدة هسبريس
0 commentaires: