المغرب: طباخ أنتوني كوين نزيلا في دار "المحسنين"
خلف الأبواب المغلقة لدار البر والإحسان في مراكش، تختبئ حكايات عجيبة يبوح لنا بها مصطفى فاندي، (64 سنة)، الذي عمل طباخا للنجم العالمي أنتوني كوين، ويحكي قصة عامين قضاهما معه، في قصره في كاليفورنيا.
في الدار، احتفظ فاندي بسرّه داخل ذاكرته في صمت، وربما كان يلعن تقلبات الزمن التي قادته إلى أن يصبح نزيلا في الدار. هنا، يلقبه بالأمريكي، لأنه عاش في أمريكا لأكثر من 27 سنة. عاش فيها غريبا، ولم يتوقع أن يلاقي في عودته لوطنه غربة أكبر. ولم يبقى له من ماضيه إلا صورته التذكارية مع نجم السينما العالمية أنتوني كوين، الذي اشتهر عند الجمهور العربي في فيلمي "عمر المختار" و"الرسالة".
ذكريات شبح مهاجر
بعينين جاحظتين نحو الصورة، وبكلمات تظهر فيها الحسرة، أخذ فاندي يحكي قصته، التي بدأت عام 1980، حين حصل على عقد عمل كرسّام، في الولايات المتحدة، وظلّ ينتقل بين مدنها. امتهن حرفا متعددة كالخياطة والرسم والطبخ، وكل ما من شأنه أن يضمن له عيشا كريما. ساقته قدماه بعد خمس سنوات لوضع طلب عمل في إحدى مكاتب الشغل في نيويورك. في الوقت نفسه كان الممثل انتوني كوين في حاجة لطباخ عربي مسلم.
وهو يدعك لحيته الممتلئة بالشيب، يحكي لـ"هنا صوتك" : "أرسل لي تذكرة الطائرة من نيويورك إلى جنوب كاليفورنيا، وكانت تنتظرني سيارة خاصة أوصلتني إلى قصره في "ريفرسايد". لم يكن مصطفى يعرف أنه سيعمل عند أنطوني كوين: "حين أدخلوني غرفة مكتبه، سألني إن كنت أعرفه أو شاهدت بعض أفلامه فأجبت بنعم. وعددت له الرسالة وأسد الصحراء وزوربا اليوناني".
دام عمل مصطفى في خدمة أنطوني كوين ما يقارب سنتين. يحكي، بابتسامة، يوم طلب منه أن يجهز له أكلة مغربية: "اخترت طبق الكسكس بالخضر، والبسطيلة، التي أعجبته كثيرا، لكنه كان كثير الغياب عن البيت".
وفي أحد الأيام، كان مصطفى يقضي ليلة حمراء عندما تشاجر مع إحدى العاهرات، مما تسبّب في اعتقاله. وحين تلقى الممثل المشهور اتصالا هاتفيا من الشرطة أطلق سراح مصطفى بكفالة رب العمل، لكنه أمهله أسبوعا لإنهاء عمله، وأخذ مستحقاته كاملة، مع تذكرة عودة إلى نيويورك بالطائرة.
يقول مصطفى إنه انتقل للعمل بعدها بين الفنادق الامريكية كطبّاخ إضافة لمهنة الرسم، يستمتع بالحياة ويتزوج كثيرا، ولم يكن يفكر بالرجوع الى بلده. وحدث أن تشاجر مع أحد المغاربة المقيمين في أمريكا، فأحدث له جرحا في وجهه، وحكمت عليه المحكمة بمغادرة الولايات المتحدة، فعاد إلى المغرب.
وضعية مأساوية
أختان وأخ يقطنان في الدار البيضاء هو كل ما تبقى لمصطفى في وطنه. زاد وضعيته تأزما الحادثة التي تعرض لها إثر وقوعه من سلم أحد الفنادق في مراكش، مما ترتب عليه كسر في رجله اليمنى أضعف قدرته على المشي. مصطفى يعيش اليوم في سرير في أحد عنابر دار البر والإحسان، لا أحد يعبأ به ولا بماضيه. ما زال يطمح في العودة لأمريكا، حيث يوجد الكثير من معارفه. يقول والحسرة تبدو في عينيه : " أنا لا أستحق هذه النهاية ، الدنيا دوّارة، ولا ثقة لي فيها".
0 commentaires: